روائع مختارة | روضة الدعاة | تاريخ وحضارة | جمال.. حضارتنا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > تاريخ وحضارة > جمال.. حضارتنا


  جمال.. حضارتنا
     عدد مرات المشاهدة: 4280        عدد مرات الإرسال: 0

الله سبحانه جميل يحب الجمال، و المسلم جميل في مظهره و مخبره و ألفاظه.

فحبيبنا صلى الله عليه وسلم لما رأي من فوق المنبر رجلًا أشعث الرأس قال (ما بال أحدكم يدخل علي أشعث الرأس كأنه شيطان أفلا كان في بيته مشط إن الله جميل يحب الجمال) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

و يسأله الصديق يومًا:يا رسول الله إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا و نعله حسنا هل هذا من الكبر؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (كلا الكبر غمط الحق و بطر الناس).

و مثال نظافة المسلم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي ما وضعت ذبابة علي جسده الشريف قط.

 و كان إذا مر من طريق تُركت أثر رائحته الطيبة في الطريق و لو وضع يده الشريفة صلى الله عليه وسلم علي رأس طفل ظلت الرائحة الزكية عالقة بشعر الصبي أيامًا.

و ما رآه الصحابة إلا بسام المحيا لا يقطب جبينه في وجه أحد و لم ير عليه الغضب قط إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الله فكان لا يغضب إلا لله و لا يرضي إلا لله و لا يفرح إلا لله و لا يحزن إلا لله سبحانه.

وجاء الصحابة و التابعون من بعدهم و من تبعهم بإحسان فتذوقوا الجمال و أظهروه، تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم إحسان التسمية ليصير الإسم جميلًا.

ثم رأينا في حضارتنا جمال البيئة، فلا تقتصر حكمة خلق الأشجار و النباتات و الثمار علي الفوائد المعروفة من كونها غذاء للإنسان و الحيوان، أو رئة تتنفس بها البيئة، بل إن الله عز و جل أشار في كتابه الكريم إلي وظيفة أخري تؤديها الأشجار و الحدائق في حياة الإنسان و وجدانه.

وهي تلك البهجة و النشاط و الحيوية التي تبعث في القلب، فقال تعالي:أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴿٦٠﴾ النمل.

وأن تلك الصبغة الجمالية التي تميز الطبيعة علي اختلاف مكوناتها ليست إلا تطبيقًا لقاعدة عامة أقرها الله تعالي في كل ملمح من ملامح الكون.

كما أحب لعباده أن يتخلقوا بها، تلك هي (قاعدة الجمال)! فعن ابن مسعود (ض) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الله جميل يحب الجمال).و لعل من اللافت للنظر كثرة الحديث عن الشجر و الثمار و الجنات في القرآن الكريم.

حيث ورد لفظ شجر بمشتقاته في القرآن نحو 26 مرة، كما وردت لفظة ثمر بمشتقاتها 22 مرة، و نبت بمشتقاته 26 مرة، و ذكرت الحدائق 3 مرات، أما الجنة مفردة و مجموعة فقد وردت 138 مرة.

بل إن القرآن الكريم عندما يعرض الأشجار و الثمار من حيث هي طعام للإنسان و الأنعام، يأتي ذلك العرض في سياق لافت لجمال المنظر، و من ذلك قوله تعالي:فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ ﴿٢٤﴾ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ﴿٢٥﴾ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ﴿٢٦﴾ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ﴿٢٧﴾ وَعِنَبًا وَقَضْبًا ﴿٢٨﴾ وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا ﴿٢٩﴾ وَحَدَائِقَ غُلْبًا ﴿٣٠﴾ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴿٣١﴾ مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴿٣٢﴾ عبس.

و رأينا جمال الحدائق في الأندلس حيث رأينا "الرصافة" في قرطبة و تعد من أكبر حدائق الإسلام، كذلك في غرناطة حيث كان يحيطها سور من بساتين و حدائق، كذلك في القستنطينية و مصر حيث كانت بركة الحبشة ملك إلي بكر الماداني وزير آل طولون، وصفت في التاريخ أجمل وصف و كذلك في بغداد و الهند حيث حديقة تاج محل و حديقة ضريح "اعتماد" في آجرا.

و من جمال حضارتنا جمال النافورات التي أظهرت جزءًا من مهارة المزارع و المهندس و الفنان المسلم في استخدام المياه في الحدائق حتي وصف "ول ديورانت "البيوت الفقيرة في المجتمع الإسلامي نظام النافورات فيها.و إبان عصر الخلافة العثمانية كان في بلجراد وحدها أكثر من 600 نافورة.

و كلنا يعرف نافورة ساحة الأسود في قصر الحمراء في الأندلس حيث كانت هذه النافورة المثيرة و العجيبة حيث كانت ساعة يخرج الماء عند الساعة الواحدة من فم أسد واحد ثم عند الساعة الثانية يخرج الماء من فم أسدين و هلم جرا.

و جمال حضارتنا يظهر أيضًا في اهتمام الإسلام بنظافة جسد الإنسان حتي أنه من سنة الفطرة نظافة الأماكن التي يتوقع فيها العرق و الميكروبات حتي قال صلى الله عليه وسلم (من سنة الفطرة الختان و الإستحداد (حلق شعر العانة) و تقليم الأظافر و نتف الإبط و قص الشارب).

و كان من سنته صلى الله عليه وسلم السواك.و من جمال حضارتنا جمال و نظافة الثوب، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴿٤﴾ المدثر. كانت من أول ما نزل من كتاب الله عز و جل.

كذلك تتضح عظمة هذه الحضارة في قيم الجمال المختلفة في جمال البيت المسلم و االشارع حيث قال صلى الله عليه وسلم (إماطة الأذي عن الطريق صدقة)، (بينما رجل يمشي في الطريق وجد غصن شوك علي الطريق فأخره فشكر الله له).(رواه البخاري).

و في رواية ابن ماجة (كان علي الطريق غصن شجرة يؤذي الناس فأماطها رجل فأدخل الجنة).و قال صلى الله عليه وسلم (من آذي المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم) رواه الطبراني، و هذه التي كانت تنظف المسجد، افتقدها النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنها فلما علم أنها قد ماتت عاتب أصحابه أنهم استصغروا أمرها و لم يُعلموه.

و قال (أفلا كنتم آذنتموني دلوني علي قبرها فدلوه فصلي عليها) (رواه البخاري).

ولقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قضاء الحاجة في الأماكن التي يرتادها الناس فقال: (اتقوا اللعانين قالوا و ما اللعانان يا رسول الله؟ قال:الذي يتخلي في طريق الناس أو في ظلهم) و قال (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه) (رواه أبو داوود).

وفي حضارتنا الإسلامية كل الجمال في مسألة الذوق و هذا من رقي هذه الحضارة ظاهريًا و معنويًا، ففي طريقة المشي و الصوت وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴿٦٣﴾ الفرقان، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴿١٩﴾ لقمان.

وجمال الذوق في عدم إزعاج الآخرين يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿٢٧﴾ النور.

أما جمال الأخلاق و السلوك فهذا سنتناوله في المقال القادم بإذن الله تعالي فهنيئًا لنا بجمال حضارتنا التي يجب أن نتمثلها سلوكًا في حياتنا و إظهار لعظمة هذا الدين الذي شرفنا الله بالإنتماء إليه.

الكاتب: د. عمر عبد الكافي

المصدر: موقع د. عمر عبد الكافي